الاثنين

بقــايا رُفــات وحياة أموات

مع بزوغ كل شمس يكتنف الغموض أبعاد مستقبلٍ مُبهم قد لطخه حاضرنا بالسواد



وأعتم صورته في إصرارٍ للإبادة الجماعية للأحياء وموتٍ للحياة وإحلالٍ لنصف الميت


فكم بالحناجر من غصة وكم بالقلب من حرقة لضياع كل أصيل وفقد كل نفيس وكم يُخالجني


الأسى ويعتري مُحياي البؤس لكل طيب أُبيد وذكرٍ عتيد وشموخ أُزلف


ولكم توشُحُني الحيرة لذاك المستقبل القاتم والذي بدأت تتضح ملامحه جلية وترتسم صورته ملية


ذلك المُستقبل الذي وأدت معه الأصالة وضل يترنح ما بقي منها


الأصالة التي أصبحت ذكرى إن بقي هـُناك من ذكريات بسبب سطوة النسيان


فالنسيان والضياع والإبادة مثلث أُحكم سطوته وحَكم وتاده علينا


لقد تلوثت الأرض بالمُبيد وتلوث الجو بالغاز وتلوث البحر بالزيت


فتضرر الإنسان جراء ذلك وصار جسده مُستقطباً لكل هذا بافتعاله ، وتلوث فكره بخداع العولمة


فبدأ يتنازل عن آدميته للحصول على أكبر قدرٍ ممكن للعيش بهدوء وليس بسلام لإنتهاء


فرص السلام والسعي وراء الأمور الهامشية


لم يعُـد هُنــاك طعم للحياة واستساغة للطيبات بفعل البيلوجيا والكيمياء السامة ومُخلفات الحروب


التي سقت الأرض وروت التربة وهيأتها لتنبت كل موبوء ومن نجى من هذا لم ينجو من عوامل التعرية


الزراعية فهذه الفاكهة اللمساء والمنفوخة لم تكن عدا صورة رسم رونقها الخُبث وجملها السوء فلا طعم


ولا رائحة ولا فائدة كما السابق ، خدعة للعين دون استحسان اللسان


ولم ينجو الإنتاج الحيواني من تيك السموم فهو لن يحيد عن منظومة البلاء والفساد الذي شربها وتكاثر بها


فأصبحت بطوننا شر وعاء وصرنا نأنف لكل ذائقة




أصبحنا مُحاصرين لم نسلم من سطوة الخُبث ولعب العابث مُترنحين بين علة الجسد وعلل العقل


الدمار لم يقتصر على غذائنا ومواردنا المعيشية فقد لحق بالصناعة والآله والتي لم تعد بتلك الصلابة والجودة

والفاعلية كما السابق فالمعدات أصبحت غير مُعمرة وسريعة التلف أبتداءً بالسيارات العادية والاتوماتيكية ما أسرع خرابها واستهلاكها وكثرة تصليحها وقلة آمانها ومروراً بأجهزة الكهرباء المنزلية من غسالات وسخانات


وأجهزة تقنية فما أكثر تلفها وانتهاءً بالأثاث ومعدات السباكة وأدوات الإنارة كلها مُجرد صناعات تقليدية


فماذا حل بالصناعة هي الأخرى ؟


هل أنقرض الصُناع المهرة ؟


أم هل ضاع كشكول الصناعة الجيدة ؟


أم هل تأثر الخام بذلك الخبث فأصبح خاماً رديئاً ؟


أم أن هُنـاك دوافع لنفاد المخزون واستبداله للتضحية بالجودة والذمة مُقابل المادة ؟


عندما تُشرق الشمس على كل ذلك الخبث ولا تستطيع حجبه بكل ما أُتيت من طاقة للصفاء والنقاء فماذا بعد سيكون ؟




الحال لم ينتهي إلى هذا الحد ويبلغ لهذا المبلغ ولم يقتصر الخراب والسوء على إنتاجنا وحاجتنا فلم يبقى


النبات والحيوان والمادة وحدها الموبوء ولم يقف التدمير عند عند هذا الحد فقد امتد ليشمل البشر


فما يضر بالأبدان يضر بالعقول إذ أن العقل السليم في الجسم السليم والإنسان دائماً يُقدم متعة جسده على أمتاع


عقله والناس عبارة عن مبادئ وقناعات والتزام وهذه القناعات تتبدل وتتغير حسب الحاجة ويضل يتنازل الناس


عنها متى ما دعتهم الحاجة وألزمتهم الظروف

فالمبادئ ليست ثابتة يؤرجحها الزمن ويقلبها الوقت والإنسان ليس صامداً ولا يرفض البدائل الرخيصة فانشطر


إلى جزئين ما بين محاولة التمسك بمبادئه وقناعاته وبين حرصه على سلك سبل العيش فيُرجح الجزء الأخير

لأن المبادئ لن تطعمه وما هو غير ساعٍ لطعامه

حتى أضحى يتنازل عن كرامته وعُرفه مُقابل هذه المادة الرخيصة فلم يعُد غير أشلاء من بقايا الحياة.